بعد مرور ثلاثة وأربعين عامًا على وفاة رئيس مصر الثاني الزعيم جمال عبد الناصر، في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970، مازال الشارع المصري والعربي يذكر الضابط الذي انقلب على النظام الملكي وأسس للجمهورية المصرية.
“في مثل هذا اليوم ودّع الشعب المصري “زعيمه” و”قائد ثورته” بحزن شديد في جنازة تاريخية، بعد أن أنجز آخر مهمة اضطلع بها، وهي الوساطة لإيقاف أحداث “أيلول الأسود” بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية في قمة القاهرة بين 26 و28 سبتمبر 1970. إذ عاد يومها من مطار القاهرة، بعد وداعه أمير الكويت، لتفاجئه نوبة قلبية أنهت حياته.
إلا أن لذكرى عبد الناصر هذا العام معنى آخر، لأنها تأتي بعد أيام قليلة على حكم قضائي بحظر نشاط جماعة “الإخوان المسلمين” وأي جمعية أو مؤسسة تابعة لها.
“جماعة الإخوان” التي مرت علاقتها بالرئيس الراحل بمحطات عدة تباينت بين التقارب والعداء، تمامًا كما يحصل في المشهد المصري اليوم.
تنظيم الضباط الأحرار في أربعينيات القرن الماضي، تعاون الضابط جمال عبد الناصر مع تنظيم “الإخوان المسلمين” من خلال أحد زملائه في تنظيم الضباط الأحرار في ذلك الوقت، الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف.
وفي الأيام الأولى لثورة الضباط الأحرار (يوليو 1952)، أصدر مجلس قيادتها قرارًا بحل جميع الأحزاب مستثنيًا جماعة “الإخوان المسلمين” لاعتبارها “جمعية دينية دعوية”، كما أعاد المجلس فتح التحقيق في مقتل مؤسس الحركة حسن البنا، فقبض على المتهمين باغتياله وأصدر أحكامًا قاسية بحقهم، وعفا عن معتقلين من الإخوان.
بداية العداء
لم تدم العلاقة الجيدة بين الرئيس عبد الناصر والإخوان طويلاً. بعد مرور أشهر قليلة على الثورة، رفض عبد الناصر طلبات للإخوان حول ضرورة إخضاع قرارات الثورة لمشورتهم. كما رفض طلبات أخرى تتعلق بالحجاب ومنع المرأة من العمل وإغلاق المسارح وصالات السينما وهدم التماثيل والتشديد على صالات الأفراح.
وقال عبد الناصر للإخوان: “لن أسمح لكم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش فى مجاهل إفريقيا”. فوقع الصدام. وبدأ الإخوان يعملون ضد عبد الناصر، واتجه الزعيم الراحل إلى ملاحقتهم.
26 أكتوبر 1954
وصل الاشتباك بين قائد الثورة والجماعة إلى ذروته في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1954، حين تعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال أثناء إلقائه خطبة جماهيرية في مدينة الإسكندرية الساحلية فأطلقت عليه ثماني رصاصات لم تصبه أي منها، لكنها أصابت الوزير السوداني “ميرغني حمزة” وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية “أحمد بدر”، وألقي القبض على مطلق الرصاص، الذي تبين لاحقًا أنه ينتمي إلى تنظيم “الإخوان المسلمين”.
13 يناير 1954
في 13 يناير عام 1954، صدر حكم قضائي بحل جماعة الإخوان وحظر نشاطها. وبدأت ملاحقة التنظيم قضائيًا وفتح عبد الناصر السجون أمام قياداته وأعضائه، فسجن عددًا كبيرًا منهم، وصدرت ضد بعضهم أحكام بالإعدام وضد آخرين بالسجن عشر سنوات أو الأشغال الشاقة.
وامتدت المواجهات إلى النقابات المختلفة، فتم حلّ مجلس نقابة المحامين المصرية ثم نقابة الصحفيين، كما ألغيت الحياة النيابية والحزبية ووحدت التيارات في الاتحاد القومي عام 1959، ثم الاتحاد الاشتراكي عام 1962.
هل يعيد التاريخ نفسه؟
أعادت ثورة 25 يناير عام 2011، التي أسقطت حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، جماعة “الإخوان المسلمين” إلى الساحة السياسية المصرية، بعد مرور أكثر من خمسين عامًا من عمل التنظيم السري، من خلال انتخاب مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي رئيسًا لمصر.
بعد فترة قليلة من استلامه الحكم بدأ مرسي يواجه معارضة قوية على وجوده في الحكم، وعلى أسلوبه في إدارة البلاد، الذي اعتبره معارضوه أنه “يستأثر بالسلطة، ويحول مصر إلى إمارة إسلامية”.
وشهد عهده، ملاحقات لناشطين وتضييقًا على حرية الإعلام. فانطلقت في 30 يونيو 2013 مظاهرات تطالب مرسي بالتنحي والرحيل عن الحكم، ردد خلالها المتظاهرون شعار “عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان ما لهمش أمان”.
وأدت التظاهرات في النهاية إلى عزل الجيش، ممثلاً بقائد القوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لمرسي ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وتعيين رئيس موقت للبلاد.
فبدأت جماعة “الإخوان المسلمين” منذ ذلك اليوم حربها ضد عبد الفتاح السيسي، الذي اعتبرت أنه “قاد انقلابًا عسكريًا ضد مرسي، الذي أتى به إلى رئاسة وزارة الدفاع”.
انطلقت المواجهات على شكل تظاهرات وقع خلالها عدد كبير من القتلى والجرحى، لتنتهي بمحاولات اغتيال، تمامًا كما حصل في عهد عبد الناصر.
وتمامًا كما فعل عبد الناصر، لجأ السيسي إلى ملاحقة أعضاء التنظيم وقيادييه، وتوالت ردود فعل الإخوان، الذين ردوا بالقيام بعدد من الأعمال، التي اعتبرها الجيش والقوات المسلحة أعمالاً إرهابية، وتعالت الأصوات التي تنادي بإقصاء التنظيم بسبب “العنف الذي يرتكبه ضد المصريين”. ولجأت قوات الشرطة إلى قمع تظاهرات الإخوان المنددة بـ”عزل مرسي” وفضّها بالقوة.
وكما فعل عبد الناصر عام 1954، أصدر القضاء المصري في 23 سبتمبر الفائت حكمًا قضائيًا بحظر نشاط جماعة “الإخوان المسلمين”، والتحفظ على أموال عدد كبير من قادتها.