تتخذ واقعة إطلاق سراح سجين إسباني أدانته محكمة مغربية باغتصاب 11 طفلا بمدينة القنيطرة بضواحي الرباط، إثر قرار عفو ملكي، أبعادا مثيرة على ضوء ردود الفعل الهائجة التي عكستها قنوات التواصل الاجتماعي بالمملكة، والاهتمام الإعلامي المحلي والدولي الذي يواكب تطوراتها.
وينظر المراقبون باهتمام رد فعل الشارع المغربي وتجاوبه المنتظر مساء الجمعة مع دعوة للاحتجاج على قرار العفو أمام مقر البرلمان المغربي بالرباط، وجاءت الدعوة عبر صفحة على فيسبوك تحمل عنوان “لا لتحرير دانييل مغتصب 11 طفلا،” حيث أبدى أكثر من 21 ألف شخص نيتهم المشاركة في الوقفة ضد قرار العفو.
وكان القرار قد صدر لصالح دانييل، البالغ من العمر 63 عاما، استجابة لطلب قدمه العاهل الاسباني الملك خوان كارلوس خلال زيارته الأخيرة للمغرب، وشمل 48 مواطنا اسبانيا كانوا محتجزين بسجون المملكة في قضايا مختلفة، وحكم على دانييل بثلاثين سنة، في مرحلة الاستئناف، بعد أن كانت المحكمة الابتدائية قد قضت في حقه بعشر سنوات، الأمر الذي خلف في حينه ارتياحا لدى أوساط المجتمع المدني المهتم بمكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال.
وبدا الحرج واضحا على الحكومة المغربية في تبرير القرار، إذ صرح مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة أنه لا علم له بقرار العفو الملكي عن الاسباني مغتصب الأطفال.
وأشار الخلفي الى أنه تم اتخاذ قرار بترحيل الاسباني إلى خارج المغرب، وهو الأمر الذي أكدته بعض المصادر متحدثة عن مغادرة المفرج عنه للتراب المغربي في اتجاه اسبانيا مساء الخميس.
وصدر رد فعل حكومي من خلال بلاغ لوزارة العدل والحريات، التي اعتبرت أن “الأمر يتعلق بقرار ملكي أملته من غير شك مصالح وطنية،” مضيفة أنه “وإذا كان قد استفاد منه شخص ضليع في ارتكاب جرائم معينة، فقد تم ترحيله ومنعه من الدخول إلى البلاد نهائيا.”
وذكرت الوزارة في البلاغ الذي حصل موقع CNN بالعربية على نسخة منه أن “العفو إنما يفترض أن يستفيد منه المجرمون بمقتضى ما قرره القضاء، مع العلم أن مشاعر الضحايا لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهو ما وقع في هذه الحالة حيث تم ترحيل المعني بالأمر ومنعه من الدخول إلى البلاد.”
وضمن أولى ردود فعل المجتمع المدني المغربي، اعتبرت جمعية “عدالة” أن العفو الملكي الذي استفاد منه الاسباني “خول لمجرم اغتصب أطفالا ابرياء فرصة الافلات من العقاب مع العلم انه لم يقضي من العقوبة المحكوم بها الا سنتين وثمانية أشهر،” منتقدة الارتباك الذي عرفته بعض الردود الرسمية والتي تؤكد بالملموس ان اعداد ملفات الاستفادة من العفو وتقديمها للملك ما زالت تشوبها اختلالات يتجدد معها سؤال النزاهة والشفافية.
وجاء في بيان الجمعية أنه “إذا كان الدستور والقانون يخول للملك الحق في إصدار العفو، فإن ذلك يجب أن يخضع لعدد من المعايير الموضوعية والمبنية على حيثيات مقنعة ولا تمس بجوهر العدالة ومبدأ عدم الافلات من العقاب، وذلك من أجل الحيلولة دون أن يستفيد منه معتقلون يشكلون خطرا على المجتمع خاصة حينما يتعلق الأمر بالأطفال و القاصرين والذي يفترض أن توضع مصلحتهم الفضلى فوق كل اعتبار”.
واعتبر المكتب التنفيذي لجمعية عدالة أن القرار القاضي بالعفو عن مغتصب 11 طفلا مغربيا من شأنه أن يشجع على تكرار جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال وبالتالي إفلات مرتكبيه من العقاب طبقا لما تنص عليه القوانين.
وفي زخم الآراء التي عبر عنها ناشطون واعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي، وجه ممثل مغربي معروف، هشام بهلول، رسالة الى الملك يطالبه فيها بالإصغاء الى شعبه و”التراجع تراجع الكبار عن اصدار العفو عن المجرم الاسباني مغتصب 11 طفلا مغربيا وذلك لبشاعة الجريمة”.
وعلى الضفة الأخرى، حظيت واقعة العفو عن مغتصب الأطفال الاسباني بمتابعة واسعة أيضا من لدن وسائل الاعلام الاسبانية.
وأوردت الوكالة الاسبانية، نقلا عن وزارة الخارجية الاسبانية، أن مدريد لم تتدخل في إعداد قائمة المطلوبين للإفراج، وأن هذا الأمر من صلاحية السلطات المغربية، الأمر الذي يزيد من غموض وتعقد حيثيات ما وقع.