لم تكن الآمال معلّقة على نتائج قمّة “مجموعة الثماني” بالنسبة إلى الوضع السوري، لكن الخلاصة التي وصل إليها المجتمعون في إيرلندا الشمالية هي نموذج مصغّر عمّا يمكن أن يصدر عن مؤتمر “جنيف 2″، في حال إنعقاده! فالجهات كافة متوافقة على ضرورة إيجاد تسوية سياسية في سوريا، لكنّها غير متفقة على خريطة طريق لذلك، لا بل إنّ الشروط والشروط المضادة متضاربة. والخلاف الأكبر هو على مصير الرئيس السوري بشار الأسد في أيّ تسوية محتملة في المستقبل، والذي لم يتطرّق إليه البيان النهائي لمجموعة الدول الثماني، بضغط من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي ضوء النتائج المحقّقة، إن في إجتماع القمّة الدولية المصغّرة أو من خلال اللقاء الثنائي بين الرئيسين الأميركي والروسي، هل من فرصة لتسوية قريبة في سوريا؟
الجواب، كلا! لا فرصة إطلاقاً لإيجاد تسوية للملف السوري في المرحلة الراهنة، لأسباب عدّة، أبرزها:
أولاً: إنّ فرص إنعقاد مؤتمر جنيف بنسخته الثانية ضعيفة، وحتى لو نجحت الضغوط في تأمين تنظيمه، فإنّ المشاركين لن يكونوا قادرين على الخروج بمجموعة من النقاط الحاسمة لحلّ الأزمة في سوريا، بسبب رفض مجموعة الدول الداعمة للنظام، وفي طليعتها روسيا وإيران، أن يتم وضع أيّ شروط مسبقة على الرئيس الأسد، حيث ترى أنه يجب ترك مصيره بيد الشعب السوري في إنتخابات العام 2014 المقبلة. في المقابل، إنّ الدول الداعمة للمعارضة تضغط للحصول على تنازل في هذا المجال. ولعلّ تأكيد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مؤتمر إعلامي في نهاية القمة “أن لا وجود للرئيس السوري في سوريا المستقبلية”، تعبير واضح عن هذا الأمر، وإعتباره أنّ الحل يمرّ عبر “دعم حكومة سنية ينتخبها الشعب السوري…” و”المحافظة على مؤسسات الدولة السورية من أجل أن لا يحصل ما حصل في العراق من إنهيار للدولة”.
ثانياً: تشدّد المعارضة السورية في موقفها الرافض للمشاركة في أيّ تسوية، أكانت في مؤتمر جنيف المقبل أم غيره، بسبب انعطاف موازين القوى الحالية لصالح النظام السوري، الأمر الذي يجعلها عاجزة عن إنتزاع الحد الأدنى من مطالبها. ولذلك، تعوّل المعارضة على الأسلحة الموعودة من أكثر من طرف، على أمل أن تعيد حسابات النظام الذي ضاعف من إستخفافه بقدراتها في المرحلة الأخيرة، والذي هو ماض في تنفيذ حملات عسكرية منظّمة ومدروسة ضد المواقع التي تسيطر عليها، مستفيداً من الدعم الخارجي الكبير له، إن بالعديد أو بالعتاد.
ثالثاً: تبرير الرئيس الروسي إستمرار دعم النظام السوري بالأسلحة، بالقول إنّ موسكو تورد السلاح إلى حكومة الأسد الشرعيّة بناء على عقود مبرمة، وتحذيره في الوقت عينه من مضيّ الدول الغربيّة قدماً في خطط مدّ المعارضة السورية بالأسلحة النوعيّة، متسائلاً: “ماذا سيحدث في ما بعد لهذا السلاح وإلى أيّ أياد سيصل؟ ونجح الرئيس الروسي في تضمين البيان النهائي لقمة “مجموعة الثماني” إعلاناً عن القلق الشديد من “الخطر المتنامي للإرهاب والتطرّف في سوريا”. وترافق ذلك مع إبداء المجتمعين الخشية على مصير الأسلحة الكيماوية. ونُقل عن بعض أعضاء الوفود التي شاركت في إجتماعات “مجموعة الثماني”، أنّ مشادات حادة وقعت بين بوتين وشخصيات مؤيّدة للمعارضة، وأنّ الرئيس الروسي كان عنيفاً في وصف خطط تسليح المعارضة السورية مستخدماً تعابير قاسية. وهو لم يتردّد بمحاولة زرع الخوف في نفوس المستمعين إليه، عبر عرض “سيناريوهات إرهابية” لما يُمكن أن يحصل في أوروبا وكل العالم، في حال وصول أسلحة متطوّرة إلى “أياد إرهابيّة”.
رابعاً: تجاوز عدد ضحايا النزاع في سوريا عتبة التسعين ألف شخص بحسب إحصاءات هيئات الأمم المتحدة، وبلوغ حجم الدمار والتدهور الإقتصادي والمالي حدوداً يصعب الخروج منها قبل سنوات طويلة، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين والهاربين من جحيم المعارك والتطهير المذهبي سقف الأربعة ملايين نسمة… بحيث من الوهم الإعتقاد أنّ تشكيل حكومة تضم عدداً من الوجوه السورية المعارضة يوقف هذا النزاع الذي تحوّل إلى إقليمي-دولي بامتياز، مع ما يعنيه هذا الأمر من توازن إستراتيجي دقيق، يصعب فيه تنازل أيّ طرف لأيّ طرف آخر.
في الخلاصة، أفق التسوية السياسية مسدودة في الوقت الراهن، والكلمة للسلاح حيث يواصل النظام السوري هجماته الميدانية في محاولة لتضييق الخناق على المعارضة أكثر فأكثر. في المقابل، تأمل المعارضة أن تُحدث صفقات الأسلحة الموعودة، تغييراً ميدانياً كبيراً في ساحات القتال، علماً أنّ التقارير الإستخباريّة والإعلامية تتناقل أخبار بدء وصول بعض هذه الأسلحة، ومنها مثلاً 250 صاروخاً مضاداً للدروع من طراز “كونكورس”، وعدداً من صواريخ أرض-جوّ التي تطلق عن الكتف لإعتراض الطائرات.