لماذا يقع الأغبياء في الحب؟ لدى أدمغتنا الإجابة
لعل ما نُشر من كتب عن الحب والعلاقات وما أعدّ من أفلام وما عُرض من آراء عنها يفوق ما كُتب أو صُوّر أو عُرض في أيّ موضوع آخر. من الشعراء إلى العلماء، يعطي كل واحد رأياً فيقول الشاعر إن “الحب أعمى” ويُحذّر العالم اينشتاين قائلاً “لا يمكنكم أن تلوموا الجاذبية على الوقوع في الحب.”
لا عجب في أن يشكّل هذا الموضوع مصدر هوس لنا. ولحسن الحظ أننا نتعلّم المزيد عما يحصل فعلاً في الدماغ لتفسير رغبتنا في أن نلتقي شخصاً آخر ونتآلف معه ونتزوّج. إحدى الركائز التي تستكشف هوسنا تأتي من عالمة الأنثروبولوجيا (علم الانسان) هيلين فيشر Helen Fisher التي درست الحب الرومانسي على مدى 35 سنة.
الدماغ في حالة حب
إن كنت مهتماً بدراسة الحب من وجهة نظر كل من علم الدماغ والأنثروبولوجيا الثقافية، فقد يثير فضولك كتاب هيلين الذي قام عملها على دراسة الزواج والطلاق في 58 مجتمعاً والزنى في 42 ثقافة
يستكشف عمل فيشر الأسس الكيميائية للحب استناداً إلى أبحاث أجريت على أشخاص خضعت أدمغتهم للتصوير بالرنين المغنطيسي. حددت الصور التأثيرات المختلفة لمواد كيميائية دماغية محددة مثل الدوبامين، النوريبينفرينnorepinephrine، سيروتونين، ما يُثبت أن الكثير من سلوكنا الرومنسي هو آلي.
الرغبة
إنّ “النظام الأول المؤثر” الذي يؤثر في علاقاتنا يوجّه ويسبب رغبتنا الجنسية. هذه الرغبة تخضع في المقام الأول لهرمون التستوسترون لدى النساء والرجال على حدّ سواء وتتطوّر بغية ضمان بقاء أجناسنا وتناسلنا بشكل ناجح. تكون هذه الرغبة الشديدة والتوق إلى هذا الحب الجائع أقوى خلال سنوات الإنجاب، لتتراجع وتنخفض مع تراجع معدلات التستوسترون تدريجياً مع التقدّم في السن.
وكما يعلم معظمنا، يمكن أن تشعر بالرغبة نحو شركاء غير أحرار وخيارات غير مناسبة. هذه الرغبة غير شخصية وجسدية جداً. عندما ترتفع معدلات التستوسترون يمكن أن تثير شعوراً بالانزعاج أو بالألم كالجوع الشديد.
الحب الرومنسي
النظام الثاني الذي يحرك حاجتنا إلى الحب الرومنسي ،ينتج عن ارتفاع في معدل الدوبامينوهو الناقل العصبي الذي ينشّط مراكز المتعة في الدماغ. على الرغم من أن الناس ينظرون غالباً إلى الحب على أنه شعور إلا أنه يتحوّل مع ارتفاع الدوبامين إلى إدمان فيثير رد فعل مماثل لما يثيره الكوكايين. يتحدّث الناس الواقعون في الحب عن تفكيرهم في الحبيب 24/7 وشوقهم الدائم إلى التواجد بقربه.
لكن هل تعلم أن الناس في هذه المرحلة الأولية من الاهتمام المتزايد والافتتان يسجلون انخفاضاً في معدلات السيروتونين؟ لا عجب إذن في أن تكون هذه المرحلة عاطفية وانفعالية للغاية وربما لهذا السبب نسميها مرحلة الوقوع في الحب. من المعروف أن ارتفاع معدلات السيروتونين ترتبط بالاحساس بالهدوء والسكينة والمزاج الحسن والقدرة على كبح السلوك. إذن، حتى لو ظننت أن الوقوع في الحب سيجعلك سعيداً (ويرفع السيروتونين) فهذا ليس ما يحصل في الدماغ.
في هذه المرحلة حيث نقع في حب أحدهم، يكون المزاج غير مستقر إلى حدّ كبير كحال شخص يعاني من القلق الشديد. نشعر بالسعادة عندما تسير الأمور على ما يرام وتغمرنا التعاسة عندما تسوء الأمور. كما قد نشعر حتى بأننا ننتقل سريعاً من حالة السعادة إلى حال من الاكتئاب والعكس بالعكس. ويساعد الانخفاض في معدل السيروتونين في تفسير عجزنا عن السيطرة على أفكارنا خلال هذه المرحلة التي تشهد مشاعر حادة. (يكون معدل هرمون السيروتونين منخفضاً أيضاً لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري). ويبعث على الراحة هنا أن نعرف لما يحاكي الحب الإدمان بهذه السهولة.
لعلكم ستتساءلون لما جُهّز الدماغ ليجعل الوقوع في الحب أشبه بالإدمان؟ يشير علماء الأحياء إلى أن هذا النظام المؤثر ساعد البشر على التوقّف عن الشعور بالرغبة حيال كل من يسير على قدمين كي يضيّق دائرة التركيز فتقتصر على شريك واحد محتمل. وبما أن الأطفال من البشر يحتاجون
إلى الرعاية والحماية لمدة أطول من معظم الحيوانات، لا بد للرابط بين الأهل من أن يكون أقوى.
التعلّق الشديد
النظام الثالث المؤثر في الدماغ هو ارتفاع معدلات هرموني الفازوبرسينvasopressinوالأوكسيتوسينoxytocin .هذان الناقلان العصبيان مسؤولان عن إثارة أحاسيس سارة ومفرحة لاسيما الشعور بالسكينة والأمان وهما يساعدان على إقامة روابط عميقة ومستدامة مع أحبائنا.
بعد أن يهدأ الألم والرغبة الشديدة واضطراب المرحلتين الأوليين، وإذا افترضنا أنك لا تزال مع الشخص الذي أحببت، سيساعدك الدماغ على خلق روابط مع الحبيب. وكما يشعر الوالدان بالتعلّق بأولادهم (حتى بعد بلوغهم سن الرشد) وبالتعاطف معهم وبالرغبة في حمايتهم، ينمو هذا النوع من الرابط مع الشريك. ولهذا، غالباً ما يصف الناس حتى الأشخاص الذين انفصلوا عنهم بالعائلة ويصف العديد من الأزواج السعداء في زواجهم الشريك بالصديق الحميم.
صممت الطبيعة أدمغتنا بشكل معقّد، ولا تزال أسراره غير مكشوفة.