في لفتة مميزة كرم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الكاتب اللبناني وعضو “الاكاديمية الفرنسية” والحائز على جائزة ” غونكور” امين معلوف، وقلده وسام الارز الوطني من رتبة الوشاح الاكبر، وهو ارفع وسام وطني، في احتفال اقيم ظهر اليوم في قصر بعبدا ، حضرته شخصيات سياسية رسمية وديبلوماسية وثقافية.
والقى الرئيس سليمان كلمة، باللغتين العربية والفرنسية، اكد فيها سروره العميق “ان ارحب بكم في القصر الجمهوري لتكريم مفكر وشاهد ورمز، ما انفك يوماً عن الدفاع عن سلطة الكلمة وقيم الافكار.
امين معلوف، ان نستعرض حياتكم يعني ان نبرز وحدتها في تنوعها. فهي كانت دوماً مكرسة بالكامل للإصغاء الى “عمق الكيان البشري”. انها طريقتكم الخاصة بأن تكونوا كاتباً ، يثبت ان عالمنا متجذر في وفاء اصيل “للنفوس الحرّة والمتساوية”. ذلك انّ الحياة المخطوطة بالكلمات عنوان آخر للحرية، بوجه كل اولئك الذين يكوّنون قناعات تعتمد على طرق مغايرة.
وها فعل ايمانكم امامنا، يتلّخص بكلمة واحدة: التسامح. وهي ليست عقيدة ولا ايديولوجية ولا ديانة للذين لا يريدون الانتماء الى اي ديانة، كما انها ليست تنازلاً من الاقوى تجاه الآخر المختلف. انّ التسامح، وفق رؤيتكم، هو فن العيش معاً، والتزامٌ يواصل التعلّم والاختبار في قبول الاختلافات.
ولدتم في لبنان في 25 شباط 1949، في عائلة مربيّن، والتزمتم قيمها من خلال عملكم كمراسل صحفي في صحيفة “النهار”، غطيتّم اماكن اللهيب في عالمنا، من اثيوبيا الى الموزامبيق، ومن ايران الى الارجنتين، ومن البلقان الى المعركة الاخيرة في سايغون، سنوات قليلة قبل اندلاع الحروب في لبنان.
ومن بيروت المذبوحة الى باريس الهانئة واصلتم عملكم الصحفي، وتحديداً في صحيفة “JeuneAfrique” حيث تسلّمتم رئاسة تحريرها، وكنتم كاتب افتتاحياتها، قبل ان تكرّسوا ذاتكم، انطلاقاً من العام 1984 لكتابة القصص والابحاث ونصوص الاوبرا.
وفي العام 1993 توّجت جائزة “غونكور” الفرنسية الشهيرة كتابكم “صخرة طانيوس”، قبل ان تنالوا الجائزة الاوروبية للأبحاث على كتابكم “الهويات القاتلة” في العام 1998، وجائزة “امير استوريا للأدب” على مجمل اعمالكم في العام 2010.
وحصلتم على شهادات دكتوراه فخرية من الجامعة الكاثوليكية في لوفان-بلجيكا، وجامعة تاراغونا في اسبانيا، وايفورا في البرتغال، والجامعة الاميركية في بيروت، قبل ان تضمّكم الاكاديمية الفرنسية الى خالديها في 14 حزيران 2012 خلفاً للفيلسوف كلود ليفي-ستراوس.
“بعد قرقعة الطبول تأتي زقزقة اللغة!” هذا ما كتبتم، واراكم من خلاله تتحدوّن على الدوام، بلهجتكم، سكينة قاعات الاكاديمية الفرنسية، مؤكّدين انّ”هذه الزقزقة لا تأتيكم من لبنان، بل تعود اليكم”. وها انّي ارى اجيالاً من اللبنانيين والفرنسييّن يأتون ويأتون ليصفّقوا لكم على هذه الحقيقة.
ذلك انه بين لبنان وفرنسا ليس هناك من صدفة ولا من طرفة عين لمناسبة، ولكن قصة “عودة ابدية”، على اسم رابطة محبة متجّذرة في مئات السنين، ومنسوجة من قطع سماء صافية وقمم مشعة.
فحيث تفرض الحياة ذاتها، وتدعو للنضال والتفكير والايمان والشجاعة يكون لبنان وفرنسا معاً. وحيث تستوجب تحية “الجذور”، تكريماً وتقديراً، يكون لبنان وفرنسا معاً.وحيث ترتفع جدار بين العوالم الثقافية، تؤكدون العزم على “سحقها والمساهمة في تدميرها”.
هذه “قناعتكم في الحياة وقناعتكم في الكتابة، حتى بتم انتم ذاتكم قصصكم. فأنتم في آن معاً “ليون الافريقي” (1986)، و”سمرقند” (1987)، كما انتم “ادريانا ماتر” (2006) و”اميلي” (2010). فأنتم هذه المعادلة اللبنانية المنسوجة بجراح ذاتية ومنفى اختياري حملتموه نحو آفاق فرنسا ومنها الى اوروبا والعالم.
معكم ومن خلالكم اتخذت علاقاتنا الثقافية مع فرنسا واوروبا والعالم عمقاً واعياً اضافياً، يجمع بين العقل والفكر والاختبار، كما يجمع بين الوحي والتقارب، وقد استنار بالجوهري.
في هذه “الجغرافيا المتحركة” بقيت روابطكم الاصيلة ثابتة وقوامها: الافتخار اللبناني بـ”ارث الحجارة”. تلك الحجارة التي بنيتم عليها كتابكم “سلالم المشرق”، جاعلين منها ابداً مراجع ومصادر.
وها انتم، مع مطلع الألفية الجديدة، تقترحون في كتابكم “تزعزع العالم” كيفية الخروج من المآزق والحقبات الصاخبة، معلنين في كتابكم “التائهون” حق العودة الذي يقنع به كل وطن ابناءه.
ان يشكل حضوركم وهج كرامة، فهذا مدعاة افتخار للبنان! وان يقرأ لبنان من خلال كلمتكم عبق الذاكرة فهذا يسعده بشكل اضافي! وان يعمّق من خلالكم رسالته بين شرق يبحث عن ذاته وغرب مزهو بذاته، فهذا يغدو خلقاً جديداً وفداء يبقى من خلاله لبنان وفياً لذاته في زمن الشك والالم والدماء الذي نعيشه.
انها افعال ايمان اضافية بالمستقبل! من خلالها لم تتخلّفوا، وانتم الكاتب اللبناني باللغة الفرنسية الآتي بانتمائكم وتقاليدكم، عن توقيع النداء الذي يدعو لإيجاد “ادب عالمي” تنفتح من خلاله فرنسا والفرنكوفونية والاكاديمية الفرنسية اكثر فأكثر على شخصيات اصبحن منارات كأمثالكم.
“هنالك نوعان من القدر: القدر العامودي والقدر الافقي”، هذا ما ذكرتموه في كتابكم “الهويات القاتلة”. لقد عرفت كلمتكم الموحّدة ان تجمع الطرفين معاً.
وها انّ لبنان اليوم يحيي قيمة مساهمتكم.
ويطيب لي من خلال اصدار طابع بريدي يحمل صورتكم قريبا، ومن خلال منحكم وسام الارز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، ان احييّكم واقول لكم كم انّ لبنان ينتظر اكثر فأكثر منكم.
فمن اجله، ايها الصديق امين، انطلقوا الى القمم!”
معلوف: لا سلم ولاتقدم من دون النموذج اللبناني
ثم القى الكاتب معلوف كلمة بالعربية قدم فيها ” ألف شكر على هذه البادرة الكريمة التي اشعرتني بعمق الصلات التي تربطني بلبنان، وهي صلات لم تتأثر بمرور الزمن كما يعلم الاهل والاصدقاء. من ميزات لبنان انه لا يتنكر لمغتربيه ولا ينساهم بل يعتز بهم، ومن ميزات مغتربينا انهم لا يتنكرون لوطنهم الاول، ولا يكفرون به، بل يعتزون به وبالقيم التي تأسس من اجلها.
الهاجس الدائم في كل ما اكتب هو الحلم اللبناني الذي لا بد ان يتحقق. هذا ما اؤمن به، وسأظل اؤمن به حتى لو رأيت العالم سائرا في الاتجاه المعاكس. العالم لا يزال يبحث عن نموذج للعيش المشترك، وطموح اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، هو ان يقدموا لهذه المنطقة وللعالم اجمع النموذج الناجح الذي بدونه لا تقدم ولا سلم ولا مستقبل لأحد”.