مسرحية مجنون يحكي من تمثيل زياد الرحباني
ندى أبو فرحات
غبريال يمّين
أندريه ناكوزي
ألين سلّوم
إيلي كمال
وفرقة موسيقية حيّة مؤلفة من 16 عازف
موسيقى: أسامه الخطيب
إخراج: لينا خوري
على خشبة مسرح المدينة من 3 تشرين الأول ولغاية 17 تشرين الثاني
كل خميس، جمعة، سبت وأحد الساعة 8:30
“مسرحية زياد”… هكذا أسماها كل من تناول في حديث أو تعليق أو نقاش مسرحية “مجنون يحكي”، في الشارع، عبر الانترنت، وعلى مر ايام سبقت الافتتاح. وقبيل لحظات من بدء العرض، كان عنوان “مسرحية زياد” الاكثر تداولاً، حتى أنه تحول غلافاً لصحيفة الأخبار في نفس يوم العرض، «اسم رنان» لم يخفف من وقعه ويزيحه عن تصدر المشهد إلا ضجيج «الخشبة» وأداء الممثلين مع انطلاق العرض الأول، لتحتل “مجنون يحكي” خشبة المسرح، ويتضح أن زياد ليس الا عنصر متفاعل داخل تلك التركيبة الكيميائية المتماسكة والمتنافرة، زياد هنا في «مجنون يحكي» ليس سوى ممثل إلى جانب آخرين.
ضبطت انارة مسرح المدينة في الحمرا – بيروت، وسلط الضوء على مسرح “المجانين”، منصة صغيرة فوق خشبة المسرح الكبير، شكلت الغرفة التي جمعت مريض يعيش وهم امتلاكه لأوركسترا (غابريال يمين)، ومعتقلة احتجزت في مستشفى المجانين بسبب كتابتها لمقال تناولت فيه ممارسات الانظمة العربية بحق الناشطين السياسيين (ندى ابو فرحات)، «ناهدة نون» كما هو اسم الشخصية في المسرحية التي برعت في اخراجها لينا خوري.
الاوركسترا التي كانت تعزف في رأس «المجنون» فقط ولا يسمعها غيره، بحسب سيناريو المسرحية، تواجدت على المسرح بشكل مباشر، وشكلت التحدي الاكبر في المسرحية، أن تعزف اوركسترا امام الجمهور بشكل مواكب لسيناريو الاحداث، تنقل عبر موسيقى (اسامة الخطيب) احاسيس ومشاعر الممثلين، وتساهم في رسم الانطباع المطلوب عن المشهد، ونجحوا في التحدي.
انسجام رائع جمع الممثلين على خشبة المسرح، وتنسيق اروع، بينهم و بين عازفي الاوركسترا، الذين ابدعوا في مواكبة المشاهد حتى جعلونا نشعر ان المؤثرات الموسيقية تخرج من حنجرة الممثلين مع كلامهم. ناهيك عن المؤثرات الضوئية، المتقنة التوزيع على الابعاد الـ4 للمسرح حيث دارت الاحداث، من زنزانة السجينين الى المدرسة التي جمعت ابنة “ناهدة” و معلمتها التي تمارس عليها اعتى انواع التعنيف والتعذيب النفسي والكلامي، ثم غرفة الطبيب النفسي المعالج (زياد)، واخيرا الفرقة الموسيقية الموزعة على كامل خشبة المسرح، كل ذلك وسط سلاسل متدلية من السقف في تجسيد لتكريس مشهدية القمع والتعذيب.
الانسجام والنجاح الفني والتقني، واكب فكرة المسرحية الرائعة، التي تغمز من قناة الاوضاع السياسية العاصفة بالمنطقة، من قمع للحريات وكتم للأصوات، مسلطة الضوء على الاساليب المتنوعة لهذا القمع، فمن القمع المباشر الذي تجسده قصة “ناهدة” المسجونة في المستشفى، الى اساليب الإقناع بالترغيب والترهيب التي استخدمها الطبيب المعالج (زياد الرحباني) الذي يحاول اقناع المرضى بالتظاهر بالشفاء، ثم غسل الادمغة وحقنها بالافكار المطلوبة تحت ضغط نفسي، ووسط إستغلال عاطفي (للمريض / الفرد) كما في مشهد الصف المدرسي والمعلمة التي تحشو رأس ابنة “ناهدة” بما هو مطلوب لها ان تعرفه وتقتنع به.
لن نفسد على الذين حجزوا بطاقاتهم مسبقاً، متعة الغوص أكثر في مشاهد المسرحية وتفاصيل القصة والسيناريو، يكفي ذكر بعض مشاهد مؤثرة منها، درامياً وكوميدياً، حيث استطاع غابريال يمين، استفزاز ضحكات الجمهور كالعادة بأدائه الكوميدي المحبب للشخصية التي اتقن تجسيدها، الرجل (المجنون) الذي يحاول التعايش مع مرضه وتخطيه.
أما ندى ابو فرحات التي أبدعت في إيصال الرسائل السياسية، فقد قامت بقص شعرها لتجسد دور «الإمرأة» التي يتم طمس هويتها الجنسية لإقناعها بأنها ذكر مجنون يتوهم انه انثى، واستطاعت ولشدة تحكمها بانفعالاتها الجسدية ليس فقط إقناع المشاهد بواقعية المشهد، بل لعلها حملته إلى عيش «المعاناة» الإنسانية بكافة تفاصيلها حركةً، وجعاً، وإنفعالاً.. سياسياً.
زياد الرحباني، الذي كان حتى وقت قليل من بدء العرض، يحَمِل العمل «ثقل حضوره»، ظهر ممثلاً أساسياً، برع ليس فقط في اتقان دوره وتقديمه، ولكن في إبقائه خارج الصورة “الزيادية” المتوقعة، ففي تأديته لدور الطبيب الذي يحاول اقناع ضحاياه «بمرضهم وهلوساتهم» ، التزم زياد بشكل غير مألوف بنص المسرحية، ومتطلبات المشهد دون اضافات او ارتجال بشكل عام، منفذا ما طلب منه بشكل دقيق ومتقن، بعيداً عن النمط المعهود أو المتوقع، ليثبت بأنضباطه أنه «ممثل» ضمن فريق مسرحية “مجنون يحكي”.