لم يعد مستهجناً أو مفاجأ أن ينغمس الفنانون في اللعبة السياسية وأن يعبر كل منهم عن رأيه السياسي او انتمائه لهذه الجهة أو تلك خصوصاً بعد انفجار الثورات العربية التي فتحت شهية كثيرين منهم إلى المجاهرة علناً عن مواقفهم ضاربين بعرض الحائط رد فعل الجمهور المناهض لوجهة نظرهم. كما حدث مع أحلام مؤخراً عندما اعلنت تأييدها للرئيس المصري حسني مبارك، وكما حصل من قبلها أصالة ورغدة وفضل شاكر وإلهام شاهين وغيرهم الكثير وكما يحدث اليوم مع ماجدة الرومي وإليسا.
فقد قامت الدنيا ولم تقعد بعد تصريحات السيدة ماجدة الرومي فيما يتعلق ببلد البحرين أثناء إحيائها حفل ضمن انطلاقة مهرجان «صيف البحرين» وكذلك بعد كلمات النجمة إليسا المقتضبة لدى إحيائها حفلا ضمن مهرجان أعياد بيروت.
فالتصريحان جاءا متتاليين وقويين بحيث انقسمت الآراء معهما انقساماً عامودياً وشنت على صاحبتهما حرباً ضروساً استخدمت فيها كل النعوت القاسية من قبل معارضيهما وصلت حد الجلد واعتبار ما قيل عاراً. لكن في المقابل كانت هناك شريحة أخرى تعتبر بأن هذه الآراء تندرج ضمن خانة الديمقراطية والتعبير عن الرأي فلم الاعتراض؟
لمَ تهاجم ماجدة التي إن اعتبرنا بأنها دافعت عن النظام في البحرين ولم يهاجم غيرها من الفنانين اللبنانين الذين ناصروا وما زالوا يناصرون أنظمة في بلدان عربية أخرى؟ علماً بأن ماجدة ووفق كلامها الحرفي فهي لم تقصد شعب البحرين بحديثها عن المجرمين وعن قوى الظلام إذ قالت “جينا نحييكم شعباً وقيادة، ونشدّ أيدينا على أياديكم، أنتم السالكون لدروب النور، يللي متصديين للعتمة وقوات الظلام.. جينا نقلكن إنو المستقبل إلكن والله ياخذ بيدكن وبيد الشعوب العربية كلها اللي عم تعاني من ظروف صعبة قلوبنا مع الكل والله ينجينا من اللي عم ينحاك لهلأرض العربية كلها وأنا بإيماني إنو بإيادات متل إيادتكن متل الناس اللي عم تسعى أن ترد عن الكل ايدين هالمجرمين فلا شك أنهم مهما عاكسوا مسيرتنا والله معنا والحق لجانبنا والمستقبل إلنا”.
وهذا ما أكده فيما بعد البيان الرسمي الذي أصدره مكتب ماجدة الرومي رداً على الحملة الشعواء التي شنت عليها، معتبرين أن أفضل جواب على تحريف كلامها وتحويره هو تاريخ ماجدة الرومي التي يشهد لها القاصي والداني التزامها طوال مسيرتها الفنية بقضايا الانسان العربي ومناداتها المستمرة بالحرية والعدالة واحترام الأديان والحوار بوجه الظلم والقهر والشرذمة.
وفي معلوماتنا المؤكدة بأن ماجدة كانت تقصد بكلامها حول القوى الظلامية والمجرمين هم أولائك الذين يحاولون سرقة الربيع العربي لأغراضهم ومصالحم وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في مصر وتونس ومختلف الدول العربية التي عاشت الثورات.
هذا وكانت إليسا قد وضحت أيضاً ما كانت تقصده بكلامها لدى إحيائها حفلاً ضمن مهرجان “أعياد بيروت” عن عدم استنكارها ما حدث في الضاحية الجنوبية لبيروت على اعتبار أن مصاب أهل الضاحية هي نفسها مصابها ومصاب كل أهل لبنان وأن استمرارها في إحياء الحفل كان بمثابة مقاومة منها إذ أن كل منا يقاوم بحسب عمله ومهامه وعلى طريقته.
لا شك بأن كل ما حدث من لغط وانتقادات وشتائم وتخوين كانت الفناناتان بغنً عنه على اعتبارهما لا ناقة لهما ولا جمل من كل السياسية وزواريبها ووحولها التي ولو لم يغرقوا بها فقد لحقهم بعضاً من آثارها البشعة لأنها ما دخلت أمراً إلا وافستدته.
وبالطبع لا نقصد بقولنا هذا أن نحجب عن أي فنان أو فنانة التعبير عن رأيه السياسي أو انتمائه إلى هذه الجهة أو تلك، لكن وكي لا ينطبق أيضاً على هذه القيم والرموز الفنية التي تجمع حولها قواعد جماهيرية كبيرة المثل القائل “غلطة الشاطر بألف”، عليه أن يفكر بكلامه مالياً ويحسبه من جميع جوانبه كي لا يتكرر ما حدث وكي لا يتكرر هذا الإنقسام في الرأي العام، إذ يعتبر الفن رسالة لجمع الناس لا لتفريقهم خصوصاً في يومنا هذا، إذ يُعد وسط كل المأسات التي نعيشها المنفس والمنفذ الوحيد للفرح وتقريب الناس بعد أن فرقتهم الحياه في الكثير من الأمور.