مع انطلاق شهر رمضان رفعت فضائية الأقصى التابعة لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الستار، وللمرة الأولى، عن سلسلة من الأعمال الدرامية التى تعالج القضايا اجتماعية والسياسية و”الجهادية”.
ورغم غياب الكوادر الفنية وقلة الإمكانيات المادية والتقنية والحصار الإسرائيلى المفروض على غزة منذ سبع سنوات، إلا أن فضائية الأقصى، ذات التوجه الإسلامى، استطاعت أن تنج سبعة أعمال درامية، هى: خمسة أفلام، ومسلسلين، تبثها فى رمضان.
ولقيت تلك الدراما الرمضانية الفلسطينية استحسانا وإعجابا من الجمهور، حيث حظيت بالكثير من المشاهدات عبر موقع “يوتيوب” على شبكة الإنترنت خلال الأيام الأولى من عرضها.
ويقول مدير البرامج فى فضائية الأقصى محمد أبو ثريا :” نحن أصحاب قضية ونريد أن نظهر للعالم أن المقاومة المسلحة ليست هى الحل الوحيد لنا، فبلغة العالم اليوم.. الدراما والإعلام.. نريد أن نثير الرأى العام ونعلمه بقضيتنا”.
ويرى أبو ثريا، فى حديث مع مراسلة وكالة الأناضول للأنباء، أن “الأعمال الدرامية التى أنتجتها الفضائية وبتمويل منها قد لا تنافس الأعمال الدرامية العربية بالإمكانات، ولكنها تنافسها بالفكرة”.
“عقارب الحياة تشير إلى اقتراب توقفها بسبب اشتداد الحصار الإسرائيلى المفروض على غزة، فاشتركت عناصر من حركتى “حماس” و(التحرير الوطنى الفلسطينى) “فتح” فى تفجير معبر رفح الحدودى بين غزة ومصر، والسماح للفلسطينيين بالدخول إلى مصر وشراء بعض ما يعيد نبض الحياة لقلوبهم.
ذلك هو ملخص أحداث أحد الأفلام، التى أنتجتها فضائية الأقصى، تحت اسم “براكين الغضب”.
وتفرض إسرائيل حصارا على غزة منذ يونيو/ حزيران 2006، إثر فوز حركة “حماس” فى الانتخابات البرلمانية، ثم شددته بعد سيطرة الحركة على القطاع فى يونيو/ حزيران 2007.
ورسالة الفيلم كما يوضحها أبو ثريا هى “إظهار الوحدة الوطنية وأن العمل المقاوم على الساحة الفلسطينية لا يقوم به فصيل بعينه، وإنما باشتراك كل أجنحة المقاومة”.
ويمضى قائلا: “أردنا أن نوصل رسالةً إلى إسرائيل التى تتغنى بقوتها، بأننا استطعنا أن نكسر حصارها رغم تشديده وقسوته”.
أما الفيلم الثانى، وهو “صلاة الجراح”، فيقلب صفحات حياة رائد مسك، الذى سكن مدينة الخليل واستشهد عام 2003 بعد تفجير نفسه وهو متنكر بزى مستوطن إسرائيلى فى إحدى الحافلات الصهيونية فى مدينة القدس المحتلة.
ويوضح مدير البرامج التفاصيل بقوله:” نظهر خلال الفيلم حياة الشهيد وأنه كان إماما لأحد المساجد ومصلحا اجتماعيا، وليس له أى ارتباط بالعمل العسكرى المقاوم ولم يكن يفكر فى الشهادة، لولا جرائم الاحتلال وظلمه المستمر، واعتقالهم لوالده والأساليب الوحشية التى مارسها ضده أثناء اعتقاله، ففكر فى الاستشهاد”.
فيما شجع وجود “على عصافرة”، المحرر ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين “حماس” و”إسرائيل”، فى غزة، فضائية “الأقصى” على إنتاج فيلم “16 ساعة فى كرم تسور” يوضح خبايا تلك العملية من منفذها والشاهد الحقيقى عليها.
وعصافرة، هو منفذ عملية اقتحام مستوطنة “كرم تسور” فى الضفة الغربية.
ويبين أبو ثريا أن رسالة الفيلم هى “أن من يضحى من أجل فلسطين، فإن المقاومة ستخرجه من غياهب السجن الإسرائيلي، ولن تتركه، بل ستحاول دائما فك أسره”.
وتمت صفقة تبادل الأسرى، التى أبرمت بين “حماس” وإسرائيل فى 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وأفرج بموجبها عن 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل الجندى الإسرائيلى الأسير لدى الحركة ، جلعاد شاليط.
و”عين الصقر” هو رابع تلك الأفلام، وتكشف أحداثه تفاصيل استشهاد المقاوم عبد الباسط عودة الذى فجر نفسه عام 2002 فى فندق إسرائيلى يدعى “بارك”، وكيف عاش الشهيد حياة المطاردة لمدة 10 شهور بسبب عدم إتمام العملية الاستشهادية فى المرة الأولى بسبب وجود سيدة وأطفال.
ورسالة الفيلم، بحسب أبو ثريا، “توضح أننا لا نقتل الأبرياء والأطفال، وصراعنا مع قوات الاحتلال لسلبهم أراضينا وليس هدفنا قتلهم جميعاً”.
والفيلم الأخير هو “صيد الأفاعى”، وتظهر تفاصيله أحداث عملية “صيد الأفاعي” التى نفذت عام 2007، حيث تم الاشتباك شرق بلدة جباليا شمالى غزة بين مجموعة من كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لـ”حماس”، ومجموعة من الجنود الإسرائيليين.
ويقول أبو ثريا: “رسالة الفيلم هى أن المقاومة أيضا قادرة على الإيقاع بالجنود الإسرائيليين ومهاجمتهم”.
وتبث قناة الأقصى الفضائية أيضًا خلال شهر رمضان مسلسل “حياة عايشنها”، ومسلسل “شيخ المجاهدين”.
ويوضح أبو ثريا أن “حياة عايشنها هو مسلسل كوميدى اجتماعى بثوب سياسى يتناول القضية الفلسطينية ولم يقتصر على غزة، فهو يظهر حصار غزة وأوضاع الضفة الغربية والأراضى المحتلة عام 1948”.
ويرى أن “ما يميز المسلسل هو أنه لم يتناول الحياة الفلسطينية بمثالية، وإنما من روح المجتمع ومشاكله الاجتماعية التى لا تخلو منها معظم المجتمعات، كمشكلة الكهرباء وتعاطى البعض للحبوب المخدرة، مثل الترامادول”.
بينما يتناول مسلسل “شيخ المجاهدين” حياة الشهيد الشيخ أحمد ياسين، أحد أبرز قادة “حماس”، هو مسلسل ثلاثى الأبعاد.
ويقول أبو ثريا “لقلة الإمكانيات المادية لم نتمكن من إنتاج المسلسل بالدراما الحقيقة، وأردنا أن يكون بصمة للشهيد ياسين ونخصص له عمل.. أيضًا نركز على الجانب التربوى عبر إظهار تفاصيل حياة الشهيد ياسين للصغار بأسلوب سلس”.
ويشير إلى بعض الصعوبات التى واجهتهم أثناء العمل، ومنها “الافتقار لطاقم تمثيلى مدرب ومؤهل وطبيعة المجتمع المحافظ و صعوبة وجود ممثلات، وعدم وجود مدينة إنتاج إعلامى فجميع الأعمال تم تصويرها فى شوارع غزة مما أحدث بعض المشاكل أثناء التصوير”.
ويكشف أبو ثريا أن فضائيته تستعد لإنتاج أعمال درامية أخرى ستسلط الضوء على قضايا الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية والحصار الإسرائيلى على غزة وقضية المسجد الأقصى وتهويد مدينة القدس.
ويعتبر أمين وافي، الأكاديمى فى قسم الصحافة والإعلام فى الجامعة الإسلامية بغزة، أن “إنتاج هذا الكم من الأعمال الفنية يظهر وجود محاولة جادة فى انتاج عمل فلسطينى يحاكى الهم الفلسطينى بمنطقه وبما يتلاءم معه”.
ويضيف وافى، فى حديث لمراسلة الأناضول: “ستتحقق نقلة نوعية فى الدراما الفلسطينية إن توافرت الكوادر الفنية والثقافية والإمكانيات المالية والرغبة الجادة فى العمل”.
ويتطلب النهوض بالعمل الدرامى، بحسب وافى، “فتح المجال أمام القطاع الخاص وتوفير الامتيازات والاستثمارات فى الدراما، ووضع خطة جدية تهتم بالعمل الدرامى”.
ويختم الأكاديمى الفلسطينى بالتشديد على “أهمية وسائل الإعلام الجديدة والإنترنت فى نشر تلك الأعمال الفنية، وتخطى الحواجز من أجل إيصالها إلى العالم؛ مما سينعكس بالإيجاب فى وقت لاحق على القضية الفلسطينية”.