هذه الأسئلة وغيرها تطرح الآن بإلحاح وتتردد علي ألسنة السياسيين والكتاب والمفكرين, كما تتردد علي ألسنة المواطنين العاديين الذين ظلوا طيلة العقود الستة الماضية محرومين من الكلام في السياسة لا مبالين بها, لأن النشاط السياسي كان احتكارا لدوائر تنفرد وحدها بالسلطة, وتتوارثها, ولا تسمح لأحد بمشاركتها فيها, اللهم إلا أن يكون خادما تابعا يسمع ويطيع وينفذ ولا يفكر, فإن سولت له النفس الأمارة بالسوء أن يخالف أو يعترض نكلت به أجهزة الأمن, وتعرضت حريته وأحيانا حياته للمصادرة, مما فرض علي المصريين أن يبتعدوا عن السياسة خوفا من العواقب ويأسا من قدرتهم علي التأثير والتغيير.
حتي إذا انفجر البركان فجأة ـ كما رأينا في يناير الماضي واشتعلت الثورة ونجح المصريون في إسقاط دولة الانقلاب العسكري ونظامها البوليسي ارتفعت من جديد شعارات الحرية, والدولة المدنية, والنظام الديمقراطي الذي نسعي لإقامته اليوم ونجتهد في الوصول إليه, ونتسابق في التعرف عليه ووضع أسسه وتحديد معالمه التي يبدو أنها لاتزال غائمة غير واضحة بالنسبة للكثيرين, والدليل علي ذلك ما نراه في حديث بعض المتحدثين, وفي برامج بعض الأحزاب والجماعات من تناقض صارخ وخلط سافر بين الفكرة وعكسها, وبين المبدأ ونقيضه.
ونحن نعلم علم اليقين أن الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يخترع نظامه ولم يبتدع طغيانه, بل ورث النظام وورث الطغيان من سلفه الذي سبقه أنور السادات, الذي لم يكن بدوره أول من انفرد بالسلطة, وإنما سبقه إلي الانفراد بها الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر.